٠٢‏/٠٩‏/٢٠١١

كفاح البحرينيين...تحت حصار الصمت


كتب مازن السيّد في "السفير":


في 17 شباط 2011 انطلقت «الثورة الليبية»، وفي 21 آب 2011 دخل الثوار العاصمة طرابلس، بغطاء عسكري من حلف شمال الأطلسي الذي جنّد الطائرات والسفن والأجهزة الاستخباراتية لمقارعة نظام معمر القذافي... في 14 شباط 2011 انطلقت «الثورة البحرينية»، على بعد كيلومترات قليلة من مقر الأسطول الأميركي الخامس، فقوبلت بدخول القوات السعودية إلى البلاد وسحق الاحتجاجات بأدوات أمنية وعسكرية واستخباراتية، لم توفر دور العبادة ولا الشيوخ والنساء. 

بعد 6 أشهر، يقف البحرينيون على واقع أمني متدهور، يشهد مواجهات أمنية بين قوات النظام و«بلطجيته» من جهة، ومتظاهرين شبّان يصرّون على أحقية مطالبهم، من جهة ثانية. الملك حمد بن عيسى آل خليفة يعلن عفوه عن بعض المعتقلين، فيما يحاكم الأطباء والممرضين أمام القضاء «الأمني» لمشاركتهم بطريقة أو بأخرى في فعاليات الحراك الشعبي. النظام يتحدث عن نتائج «حوار» أعدّه و«إصلاحات» مقبلة، فيما ترفض المعارضة الحزبية شرعية هذا «الحوار» وتقاطع الانتخابات. همّشت القضية البحرينية توافقياً من قبل منابر الإعلام الكبرى، لكن صنّاع الثورة لم يرفعوا الراية البيضاء بعد. 

خطاب الملك... والواقع 
 
في كلمة ألقاها أمس الأول، لمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان قال الملك حمد إن «الالتقاء ونبذ الفرقة بين أبناء الشعب الواحد من العادات الحميدة التي ينبغي أن تستمر دائماً وأبداً». وأضاف «بودنا الإشادة بتوافقكم على مرئيات الحوار الوطني الذي يبشر بمستقبل زاهر لوطننا العزيز، وإن ما توافقتم عليه نحو مزيد من الإصلاح هو محل التقدير والترحيب والتأييد». 

لكنّه من الواضح أن «الحوار» الذي أشار إليه الملك، لم ينتج من أية عملية توافقية بين المعارضة بشقيها الحزبي الممثّل والعفوي الشعبي، والسلطة. فجمعية «الوفاق» التي تشكل أكبر جمعية معارضة في البحرين، انسحبت من هذا «الحوار»، الذي «وصفته بمنتدى الحوار»، حسبما يقول المتحدث باسم «المعارضة البحرينية في الخارج» ابراهيم المدهون لـ«السفير»، وهو العضو السابق في شورى جمعية «الوفاق». ويوضح المدهون أن «الحوار لم يكن حوارا، فالمعارضة كانت ممثلة بأقل من 10 في المئة من المشاركين في هذا المنتدى». 

ويأسف المدهون لأن «الملك لم يتعرض في خطابه إلى مشكلة البحرين»، في إشارة إلى تجاهل الملك للخلاف المتواصل حول قضايا أساسية. ويتابع قائلا إن «الحل في البحرين سياسي لا أمني، يكون باحترام نتائج استفتاء العام 2001 الذي جاءت نتائجه بنسبة 98.4 في المئة لمصلحة جعل الشعب مصدر السلطات، ومنحه حق اختيار الحكومة، وصلاحيات المراقبة والتشريع». كما يشير المدهون إلى قضايا التجنيس، والتقسيمات الانتخابية «التي تمثّل الدائرة الأولى حاليا بنائب واحد، فيما تمثّل الدائرة السادسة التي تتمتع بالحجم السكاني نفسه تقريبا بـ10 نواب». 

وقال الملك أيضا «نود ان نؤكد اننا لا نتطلع الى محاكمة الجميع، فهناك من اتهموا بالإساءة لشخصنا ولرجال المملكة ونحن في هذا اليوم نصفح عنهم». وأضاف «ورغم اننا لا نرغب في التدخل في سير العدالة وتطبيق القانون إلا اننا نؤكد ان جميع قضايا المدنيين سيصدر الحكم النهائي فيها في محاكم مدنية». 

لكن، قبل ساعات من خطاب الملك، كانت محكمة أمنية خاصة، منبثقة عن حالة الطوارئ التي قد رفعت رسميا منذ أشهر، تواصل مقاضاة 20 طبيبا وممرضا بتهم الارتباط بالاحتجاجات المعارضة. وأجلت المحكمة البت في القضية مرة أخرى إلى جلسة في 7 أيلول المقبل، حيث ستبدأ بعد أشهر طويلة بالاستماع إلى شهود الدفاع. كما تشير صحيفة «هافينغتون بوست» الأميركية إلى غموض في استخدام الملك مصطلح «القضايا المدنية» التي وعد بنقل الحكم النهائي فيها إلى المحاكم المدنية، إذ «ليس واضحا ما هي القضايا التي ستبقى ضمن صلاحيات محاكم الطوارئ الأمنية». 

ولعلّ أبرز ما يتجاهله الملك في حديثه عن «التوافق» و«الالتقاء»، هو الواقع الأمني على الأرض الذي يصفه المدهون بـ«المزري»، فيما تعتبر ناشطة بحرينية في حديث مع «السفير» أنه «أسوأ من واقع التسعينيات»، مشيرة إلى «حواجز أمنية مكثفة في كل المناطق، تتعرض بالإهانات إلى المواطنين والشيعة منهم خاصة». 

والواقع أن شباب «الثورة البحرينية» ما زالوا على اختيارهم الشارع ساحة أساسية للدفع بمطالبهم بالتظاهر السلمي. وفي ظل تعتيم إعلامي مطبق على مجريات الامور، توثّق الشرائط المصورة على شبكة الانترنت لمواجهات أمنية بين هؤلاء الشباب والقوات الأمنية يؤازرها «البلطجية»، تستخدم فيها قنابل الغاز المسيل للدموع، وبنادق «الشوزن» الفتاكة، والهراوات والعصي. وشهدت مناطق عديدة يوم أمس مواجهات كهذه، بحسب مصادر عديدة، أكدت تعرض مسيرة حاشدة في جزيرة سترة لقمع القوى الأمنية وقنابل الغاز، إضافة إلى اشتباكات مماثلة في كرانه وسماهيج والدير والمصلى والدراز وغيرها. ووثّقت صور عديدة أيضا لاستعانة النظام بمرتزقة أو «بلطجية» بلباس مدنيّ يحملون الهراوات والعصي ويعتدون بها على المتظاهرين المعارضين. 

ويدعو «ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير» مساء اليوم إلى «أكبر وأوسع حضور في فعالية حق العودة إلى ميدان الشهداء»، التي من المفترض أن تنطلق من قرى الدية والسنابس وكرباباد. 

المؤشرات الخارجية 
 
يقول المدهون لـ«السفير» إن «مطالب المعارضة البحرينية هي بحت وطنية. لكنها تقع ضحية التجاذبات الإقليمية، خاصة على مستوى المواجهة الأميركية - الايرانية»، فيما تشير معطيات إقليمية عديدة إلى وجود نوع من توافق ضمني على استباحة حقوق الشعب البحريني والسكوت عن الانتهاكات التي ترتكب بحقه. 

فإضافة إلى الدول الخليجية التي ساندت النظام البحريني بشكل متوقع منذ اندلاع الاحتجاجات، وأرسلت قوات «درع الجزيرة» الخليجية لسحق المعارضين أمنيا وعسكريا، أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم منذ دخول القوات الخليجية إلى الأراضي البحرينية «شرعية وجود قوات درع الجزيرة فى البحرين» وقال «ان هذه القوات ليست قوات احتلال بل تأتي في إطار مشروع مشيرا الى أن الاتفاقيات التي أسست درع الجزيرة والاتفاق المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي تشكل الأساس القانوني لوجودها فى البحرين». يذكر أن الملك البحريني أجرى اتصالا أمس بالرئيس السوري بشار الأسد تم خلاله «استعراض الاصلاحات التي تعتزم الجمهورية العربية السورية إطلاقها في إطار مبادرتها للإصلاح والتطوير»، بحسب وكالة الأنباء البحرينية الرسمية «بنا». كما تجدر الإشارة إلى أن دمشق رأت في الموقف البحريني خلال الاجتماع الأخير لوزراء خارجية الجامعة العربية السبت الماضي «موقفا معتدلا» مقارنة بالموقفين القطري والسعودي. 

حتى أن الموقف الايراني من أحداث البحرين شهد انكفاء في التواتر وتراجعا في اللهجة، من دعوة الرياض إلى إخراج قواتها من البحرين و«الاتعاظ» من تجربة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في الكويت، إلى تساؤل الرئيس محمود احمدي نجاد في مقابلته مع قناة «المنار»: «ما كانت الحاجة للتدخل السعودي في هذا الامر»؟ داعيا «المملكة السعودية الى اعتبار الشعب البحريني شعبا شقيقا»، ومعتبرا «الحكومة في البحرين والشعب يجب ان يجلسوا بعضهم مع بعض، فتقرير المصير والحرية والعدالة أمر طبيعي في دول العالم... فليتباحثوا في ما بينهم ويتعايشوا مع الشعب ولا يسمحوا لأميركا بأن تتدخل». وتجاهل إمام جمعة طهران حجة الإسلام سيد احمد خاتمي الأسبوع الماضي خلال حديثه عن الثورات العربية، ذكر البحرين، بحسب نص الخطبة الذي أوردته وكالة «مهر» الايرانية للانباء، وأورد فيه ذكر الثورات المصرية والليبية واليمنية والتونسية. 

أما موقف أميركا التي تؤوي البحرين أسطولها الخامس، فكان مناوراً بين إظهاره تحفظاً و«أسفاً» على ممارسات القمع ضد الشعب البحريني، ودعمه الضمني للنظام، عبر التغطية على هذه الممارسات، رغم التقارير العديدة الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان وحقوق العمال وغيرها. ولم تتوقف واشنطن مرة عن تأكيد «صداقتها» مع النظام البحريني. 

في المقابل، وفي نبأ نقلته وكالة «بلومبرغ» الاميركية إضافة إلى وسائل إعلام روسية عديدة، أشارت جهات روسية وبحرينية إلى صفقات سلاح تعقدها روسيا للمرة الاولى مع النظام البحريني، وتتضمن بنادق رشاشة من نوع «ايه كاي 103» وذخائر بعشرات ملايين الدولارات، كما أكد مصدر قريب من وزارة الدفاع الروسية. وقال المتحدث باسم الحكومة البحرينية عبد العزيز بن مبارك آل خليفة لصحيفة «موسكو تايمز» إن «العلاقة بين روسيا والبحرين تزداد قوة. نتطلع إلى التعاون مع روسيا في التجارة والخدمات التقنية. وأحد مجالات التعاون هو في الأسلحة الخفيفة». ومن جهته أكد المدير التنفيذي لشركة «روسوبورون اكسبورت» الروسية الحكومية لتجارة الأسلحة اناتولي ايسايكين أن البحرين أصبحت زبونا جديدا للسلاح الروسي. يذكر أن فرنسا وبريطانيا علقتا عقود التسليح مع البحرين بعد اندلاع الاحتجاجات في شباط الماضي، وسقوط أكثر من 30 قتيلا مدنيا من المتظاهرين، لكن الموقف الاوروبي بقي عند مستوى «الأسف» للعنف دون أية ضغوط ملموسة على النظام. 

الشعب البحريني يواصل نضاله نحو تحقيق مطالبه بالتمثيل السياسي العادل والمساواة الاجتماعية، ويدفع الثمن غاليا بتواطؤ الصمت الذي يدحض ادعاء «المجتمع الدولي» دعمه للشعوب المقهورة. شاشة التلفاز ضاقت بالبحرينيين، لكن ضيق قلوبهم بالقمع أكبر...