١٦‏/٠٤‏/٢٠١٣

آيات لأولي الألباب




في سورة البقرة وانطلاقاً من الآية 30، تعترض الملائكة على قرار الله جعل الإنسان "خليفة" له على الأرض. حجة الملائكة أنه س"يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك".

ماذا أجاب الله؟

قال "إنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ"، ولكنه لم يكتف بذلك، رغم أنه الله. بل اختار أن يقيم عليهم الحجة، بالمنطق، رغم أنه هو الذي خلقهم! فماذا فعل؟

"وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ".

هذا العلم الذي أشار إليه من قبل قائلاً إنه يملكه وهم لا يملكون، نقل على الأقل جزءاً منه إلى آدم، وفضّله بذلك على الملائكة. هذا الجزء هو علم "الأسماء"، وليثبت جدوى خلقه للإنسان، أراد أن يظهر للملائكة جهلهم بالأسماء مقابل علم آدم بها، فسألهم عنها.

أجابوا "سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ". وأمر آدم بتلقينهم الأسماء، "فلما أنبأهم بأسمائهم قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ". والله بذلك لم يكتف بتبيين جهل الملائكة بما يعلمه آدم، بل انتظر إلى أن سمعوا هم الأسماء مباشرة من آدم حتى قال لهم "ألم أقل لكم....".

هنا مباشرةً، قال الله للملائكة "اسجدوا لآدم"!!! طلب الله من الملائكة أن تسجد للإنسان، وسجدوا فعلاً. "إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين". وفي المعاجم العربية، ترى كلمة "الكفر" بمعنى "الجحود" أو بمعنى الحجب والتغطية (كفر الشيء، غطاه). فيصبح من الممكن هنا الاستنتاج إلى أن كفر إبليس هو ببساطة رفضه الامتثال لخلاصة الحوار السابق بين الله والملائكة، رغم أنه كان بين الملائكة حين أقروا كلهم بصوت واحد من قبل إن "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك انت العليم الحكيم".

ابليس اعترض أولاً، فاعترف بجهله أمام ما يعلم الله بعدما أقام عليه الحجة، لكنه عاد واعترض ثانية لأنه لا يريد السجود لآدم حتى ولو كان مقتنعاً بذلك...."استكبر". ولكن حتى هنا، الله لم يعاقب ابليس!

إذا كان هنالك في بلادي من يدّعي اتباعه لما في القرآن، وايمانه بالله على أساس ما في هذا الكتاب عن الله، فهذا هو ربّه. ربّ خلق كلّ ما هو موجود، ولم يكتف بفرض رأيه على الملائكة وهي مخلوقاته، بل أقام عليها الحجة، وبالرغم من ذلك فعندما رفض أحد مخلوقاته الامتثال لأمره لم يعاقبه. علماً بأنه قد فضّل آدم على هذه الملائكة، على الأقل في "علم الأسماء".

فكيف برّبك هذا، تريد معاقبة الناس لاقتناعها أو ايمانها بما يغاير رأيك، وما أنت سوى آدمي مخلوق؟

إذا كان هناك من أمر اسمه "دولة الإسلام"، دولة دين هذا ربّه لا يمكن أن تكون إلا دولة العقل، ودولة الحوار والحجّة والمنطق. دولة سجدت ملائكتها للإنسان، بعدما "أنبأها بأسمائها".

وما يمنعني في أن اؤمن بأنني سأحاور ربّي يوماً، كما قبل الله أن يحاور تلك الملائكة؟

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ(30)وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(31)قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(32)قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ(33)}.