٣٠‏/١٠‏/٢٠١١

الله والثورة والعميان







"اللهم أرني الأشياء كما هي عياناً" - دعاء للشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي

خبرت القرآن حتى أحسست أن أحداً لم يقرأه قبلي، إلا كاتبه. أو لعلّني حمّلته ما رأى عقلي قبل اكتشافه. لن أدري، ولن يدري أحد. لأن العين أسيرة لونها، لأن الذي يأبى إلا أن يسأل ويسائل، غريب أينما حلّ. والثائر كذلك. فالثورة ليست حدثا سياسيا. الثورة بحث عن الرؤية خلف الحجب التي كنا نراها ونرضى بها خضوعا لحتمية الواقع، خوفا من استحالة المعرفة. وكلما أمطنا لثاما، واجهتنا مسافة جديدة، بين إحقاق الحقّ وبيننا.
شيخ قد استقى من مشرب حكمة الموحدين قال لي يوما إن الباطن عندما يدرَك، يصبح ظاهرا، ويستدعي باطنُه شوقَ المريد. هنا فهمت معنى حلم كان يراودني أرى فيه تشي غيفارا بالجبّة والدستار يفتل فتل دراويش المولوية. يد تصله بالسماء وأخرى بالتراب. عين يحطم فيها الله الموتَ، وأخرى يحطّم فيها الإنسان أصنام الجهالة والظلم. أما الموت ففي كل زاوية، وأما الأصنام فدمى روسية لا تنتهي.

"أشكال الحياة البدائية ما زالت موجودة على الأرض. هذا يعني أن جمود الحياة لم يكن مستحيلا. لكنها اختارت أن تمشي" - الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون

كلما كاد رأسي ينفجر، علمت أنها لحظة الرهان، رهان المغامر في المعرفة: إما الجنون الصريح، أو الانتقال إلى كون جديد على متن شرارة الفكرة. الجذع لا يلد شجرة إلا إذا تفرّع. لا يصبح واحدا إلا إذا تعدّد. خياري الوحيد: أن أكون. لذلك فإن عدوي ليس من يختلف عني، عدوّي من يعمل على بتر احتمالات تفرّعي، من يجبرني بالعنف على استنساخ أجوبته عن كل الأسئلة. معه المعركة مطلقة، لا شعر فيها ولا تردد فلسفي.
"أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض".. هو إذن عدوي بمطلق العداوة، فمسلمة وجوده الأولى نفي وجودي. "إما أنا أو الفوضى".. هو أيضا عدوي بمطلق العداوة، فركيزة استمراريته الأولى وأد احتمالاتي. لا أحلم بفلسطين جنة على الأرض، بل أريد خياراتها لها. ولا أمنّي النفس بأوطان الـ"يوتوبيا"، بل أمنيها بأوطان تمارس الشكّ سبيلا دائما للحق.

"ان أهل الحق موقنون أن الحق وحده يشفي وأنه يجب أن ينتقل من كيان إلى كيان بالشهادة، والشهادة تحديدا نقيض المساومة، لأن للشهادة مرجعية هي الحقيقة نفسها، في حين أن المساومة ترتيب بشري، عقلي للخروج بعلاقة ممكنة" - المطران جورج خضر

هي وهو. إذا كان ما يجمعهما بحث عن راحة في مؤسسة العلاقة، فمذكرة تفاهم لتبادل المصالح، ويبقى هو، وتبقى هي. أما إذا كان عهدهما شهادة بحقيقة المحبة، فلا آخر في المعادلة، ولا هي ولا هو.
المجتمع الذي خرج من حروب أبنائه، فتجاهل الشهادة بحقيقتها، إلى التفاوض على نوع الكذبة التي سنتفق على التسليم بها، ينتج رجالا لا يحلمون فلا يعشقون، ونساءً لا يُعشقن فلا يحلمن. يورثون أبناءهم صلافة القلب وإنكار الهوى، فيفتر كل شيء، ويصبح الوطن مصنع أفراد.
قاوم بالعشق إذن، أبقِ على وطني حيّا في جمرة قلبك، في كتلة حبّ تكبر حتى تصبح ثورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق