١٥‏/٠٨‏/٢٠١١

هذا موقفي




عجيب أمر الذين يريدون أن يدافعوا عن ممارسات النظام السوري، بحجة أن كل ما يحدث في سوريا هو نتيجة مؤامرة خليجية صهيونية أميركية، تماما كما هو غريب أمر الذين يهتفون لحياة الملك السعودي عبد الله بعد خطابه "التاريخي" الأخير، ويسوّقون لدور خليجي في دعم "حرية" الشعب السوري.

الواقع أنّه منذ انطلاق الحراك السوري، أعربت الدول الخليجية كلها عن تضامنها مع النظام في وجه "المؤامرة على سوريا". ففي 28 آذار الماضي:


وفي 2 نيسان:

 "حزب الله" من جهته اعتبر أن ما يحدث في سوريا مؤامرة، فيما أن ما يحدث في البحرين هو مواجهة فعلية لنظام "مقفّل". وقال الأمين العام حسن نصر الله الآتي:

إن دمشق هي "النظام العربي المقاوم والممانع الوحيد،" على حد تعبيره، وعدد ما وصفها بـ"إصلاحات" أقدم عليها الرئيس السوري، بشار الأسد، ومنها إطلاق آليات الحوار وإصدار قرارات العفو العام، وطالب الشعب السوري بأخذ ذلك بعين الاعتبار لأن النظام بحسب تعبيره "أسقط أخطر المشاريع الإسرائيلية والأمريكية." وذهب الأمين العام لحزب الله أبعد من ذلك إلى حد اتهام من قال إنهم يتورطون بـ"التواطؤ على إسقاط النظام السوري الممانع" بتقديم "خدمة جليلة لإسرائيل وأميركا." وبخلاف موقفه من سوريا ونظامها، كرر نصرالله هجومه على النظام البحريني الذي اتهمه بـ"جر الناس للسجون والحكم على المعارضين بالسجن المؤبد" واعتبر أن الأفق في البحرين بات "مسدوداً والأمور لا يمكن أن تستمر،" وفق تعبيره.

 غريب...لأنني حسبما أذكر، بل حسبما هو موثّق ومؤكد، كان النظام الممانع المقاوم في سوريا قد أعلن دعمه لتدخل قوات "درع الجزيرة" السعودية والخليجية في البحرين لسحق الثورة البحرينية:
أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم شرعية تواجد قوات درع الجزيرة فى البحرين وقال ان هذه القوات ليست قوات احتلال وإنما تأتي في إطار مشروع مشيرا الى أن الاتفاقيات التي أسست درع الجزيرة والاتفاق المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي تشكل الأساس القانوني لتواجداها فى البحرين. كما أكد المعلم في مقابلة مع جريدة "الشرق الأوسط" اليوم أن موافقة مملكة البحرين نفسها على دخول هذه القوات تشكل الأساس الشرعي لتواجدها. وحول احتمال أن يكون لهذا الموقف انعكاس سلبي على علاقة بلاده مع إيران، لا سيما أن الأخيرة تعارض دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين، قال وزير الخارجية السوري: نحن جزء من الأمة العربية ونعمل من أجل علاقات أفضل مع العالم العربي الأمر الذي يتطلب منا التعبير بوضوح عن الموقف السوري. ووصف المعلم العلاقات السورية السعودية بـالاستراتيجية، مؤكدا على أن التفاهم القائم بين الرئيس السورى بشار الأسد وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يشكل حجر الزاوية في استقرار المنطقة.
إذن النظام السوري دعم احتلال القوات الخليجية للبحرين، وسحق الثورة البحرينية ضد النظام الملكي الأسري الطائفي، وأنظمة الخليج أكدت دعمها للنظام السوري في وجه "المتآمرين". و"حزب الله" الذي يدافع عن النظام السوري، (على الأقل إعلاميا، إذا لم نرد أن نصدق التقارير عن مساندته له أمنيا)، يدافع أيضا عن الثورة البحرينية التي دعم النظام السوري سحقها!!!

كل هذا ليس عبثيا، بل هو دليل على تحوّل سياسات هذه الدول والمنظمات، بشكل يخدم مصالحها المحلية والاقليمية والعالمية، بما لا يمتّ بأي صلة بمصالح الشعوب وحريتها ونضالها في وجه القهر والحرمان والاحتلال. وإلا كيف يكون "حزب الله" نصيرا حقيقيا لقضية الشعب البحريني، إذا كان حليفه الأساسي في المنطقة قد اعلن بالفم الملآن ودون أي التباس دعمه لسحق ثورة البحرين؟ وكيف يكون الملك السعودي أو الأمير القطري داعمين لقضية السوريين، إذا كانا قد وصفا الثورة السورية بأنها مؤامرة تهدف إلى زعزعة امن سوريا واستقرارها؟

كما يتحفك كثيرون بنظريات عن أنّ الحراك في سوريا ليس شعبيا، وأنه محدود بطبقات معينة من المجتمع. ما المقصود بهذه الحجة بالضبط؟

أنّ هناك نسبة غير قليلة من السوريين يحميها النظام وتستفيد منه؟ هذا أكيد ولا نقاش فيه، والحال مشابه في كل الانظمة القمعية التي تخلق علاقة منفعة مع فئات معينة من المجتمع.

أن هناك نسبة غير قليلة من السوريين تريد "الاستقرار والأمن" حتى لو كانت تعارض النظام؟ هذا أكيد أيضا لأن الطبيعة البشرية لفئات كبيرة من المجتمع (أرباب الأسر، التجّار، بورجوازيو الأندية المغلقة والgauche caviar...) لا تريد خسارة امتيازات الوضع القائم حتى لو كانت قليلة. أضف إلى ذلك، أنّ النظام كما كل الأنظمة العربية أنتج خلال عقود الظلام الطويلة، حالة فوضى اجتماعية كامنة تنتظر فرضتها لتخرج ما في داخلها من أحقاد وعنف.

أن هناك نسبة غير قليلة من السوريين لا تريد أن تموت برصاص قناص أو تحت جنازير دبابة؟ وهل هناك من يحبّ لنفسه أو لأخيه ذلك؟ الاستثناء هو الذي يخرج ايمانا بقضية ما، قابلا للتضحية. والاستثناء أقلية، خاصة في وجه نظام استخدم أدوات امنية وعسكرية ضد المتظاهرين ندر استخدامها في دول أخرى كتونس ومصر، ولم يصعّد "المجتمع الدولي" موقفه منه كما حصل في تلك البلدان.

النظام السوري وكل الأنظمة الديكتاتورية العربية، قدمت نفسها منذ السبعينيات حتى اليوم على أنها تحمي دولها من شيئين: التطرف الإسلامي، والعدو الصهيوني. والعنوانان كاذبان. أما التطرف الإسلامي فقد غذته بطريقتين مختلفتين: الأولى عبر قمعه وبالتالي إعطائه مزيدا من المساحة لجذب التعاطف الشعبي، والثانية عبر تعتيم العقل العربي الذي لم ينتج أية فكرة اجتماعية حقيقية قد تجذب الطبقات الشعبية إليها لتبتعد عن التشدد الديني والطائفية. وأما العدو الصهيوني، فالجولان محتل، وفلسطين محتلة، وشبعا محتلة. والطيران الاسرائيلي يصول ويجول في الاجواء السورية اللبنانية، ونحن "نحتفظ بحق الرد". كما أن النظام السوري لا يرفض التعامل مع أنظمة الخيانة العلنية للقضية في السعودية وقطر وغيرها، حين تنص على ذلك "الضرورات الاستراتيجية السياسية"، ومعادلات ال"سين سين". بل إن الفلسطينيين أنفسهم يدفعون ثمن القمع الأمني اليوم في سوريا، في اللاذقية وغيرها.

لا إطار فكري للثورة العربية اليوم، لا في سوريا ولا في غيرها. لذلك على الذي يعتبر نفسه مثقفا ومفكرا، أن يسعى إلى خلق هذا الإطار ليقوم بدوره في فعل التغيير، بموازاة الفعل الجسدي الذي يقوم به أبناء ملح الأرض في الشوارع العربية، بدل أن يضيع وقته في التنظير حول "شعبية" الحراك، أو "الفوضى" المقبلة، أو ايجابيات "النظام القوي"، و"سوريا الممانعة". إذا لم تقوموا بذلك، ستتحملون أنتم مسؤولية الفوضى والتطرف والطائفية امام التاريخ، لأنكم خيرتم شعوبكم بينها وبين انظمة القمع والظلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق